الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير ابن عبد السلام ***
{لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)} {سُبُلاً فِجَاجاً} طرقاً مختلفة «ع» أو واسعة أو أعلاماً. {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)} {عَصَوْنِى} لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وهم على كفرهم وعصيانهم ورجا الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن: وكانوا يزرعون في الشهر مرتين {ووَلده} واحد الأولاد وبالضم جماعة الأولاد «أو بالضم العشيرة وبالفتح الأولاد». {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)} {كُبَّاراً} أبلغ من كبير جعلوا لله تعالى صاحبة وولداً أو قول الكبراء للأتباع {لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ}. {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)} {وَدّاً وَلا سُوَاعاً} كانت هذه الأصنام للعرب ولم يعبدها غيرهم. فخرج من قصة نوح إلى قول العرب ثم رجع إلى قصتهم أو كانت آلهة لقوم نوح وهم أول من عبد الأصنام ثم عبدها العرب بعدهم قاله الأكثر. قال ابن الزبير اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وكان ود أكبرهم وأبرهم به أو كانت أسماء رجال قبل نوح حزن عليهم آباؤهم بعد موتهم فصوروا صورهم ليتسلوا بالنظر إليها ثم عبدها أبناؤهم بعدهم أو كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسلام فخلفهم من أخذ في العبادة مأخذهم فصوروا صورهم ليذكروا بها اجتهادهم فعبدها قوم نوح بعدهم ثم انتقلت إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل فكان ود لكلب بدومة الجندل «ع» وهو أول صنم معبود سمي بذلك لودهم له وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد أو حي في نجران قال أبو عثمان النهدي: رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك قالوا: قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حمير. {وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)} {وَقَدْ أَضَلُّواْ} أضل أكابرهم أصاغرهم أو ضل بالأصنام كثير منهم {ضَلالاً} عذاباً ويحتمل فتنة بالمال والولد. {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)} {دَيَّاراً} أحداً أو من يسكن الديار دعا بذلك لما قيل له {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ} الآية [هود: 36] أو مر به رجل يحمل ولداً له صغيراً فقال: يا بني احذر هذا فإنه يضلك فقال: يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فغضب نوح عليه الصلاة السلام ودعا عليهم. {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} {وَلِوَالِدَىَّ} أراد أباه لمكا وأمه هنجل وكانا مؤمنين «ح» أو أباه وجَدَّه. {دَخَلَ بَيْتِىَ} دخل مسجدي أو في ديني أو صديقي الداخل إلى منزلي «ع» {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} من قومه أو جميع الخلق إلى قيام الساعة {تَبَاراً} هلاكاً أو خساراً. {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1)} {اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} القرآن صرفهم الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن أو منعوا من استراق السمع ورموا بالشهب ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين له ظاهر فأتوا إبليس فأخبروه فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشمها فقال صاحبكم بمكة أو رجعوا إلى قومهم فقالوا ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا حدث في الأرض فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ففعلوا حتى أتوا تهامة فوجدوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ «ع». فمن قال صرفوا إليه ذكر أنه رآهم ودعاهم وقرأ عليهم ومن قال ضربوا مشارق الأرض ومغاربها قال لم يرهم ولم يقرأ عليهم بل أتوه بنخلة عامداً إلى سوق عكاظ وهو يصلي بنفرٍ من أصحابه الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حالَ بيننا وبين خبر السماء «ع» وكانت قراءته {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وكانوا تسعة أحدهم زوبعة أو سبعة ثلاثة من حرَّان وأربعة من نصيبين أو تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق فَصَلَّوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الصبح ثم ولَّوْا إلى قومهم منذرين. قيل الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامه قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الجن من ولد الجان منهم المؤمن والكافر وليسوا شياطين والشياطين من ولد إبليس ولا يموتون إلا مع إبليس ويدخل مؤمنو الجن الجنة وقال الحسن رضي الله تعالى عنه هم ولد الجان والإنس ولد آدم عليه الصلاة السلام فمن الجن الإنس المؤمن والكافر يثابون ويعاقبون فمؤمن الطائفتين ولي الله تعالى وكافرهما شيطان ويدخلون الجنة بإيمانهم «ح» أو لا يدخلها الجان وإن صرفوا عن النار قاله مجاهد {عَجَباً} في فصاحته أو في بلاغة مواعظه أو في عظم بركته. {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)} {الرُّشْدِ} مراشد الأمور أو معرفة الله تعالى. {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)} {جَدُّ رَبِّنَا} أمره أو فعله «ع» أو ذكره أو غناه أو بلاغه أو ملكه وسلطانه أو جلاله وعظمته أو نعمه على خلقه أو {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي ربنا أو الجد أب الأب لأن هذا من قول الجن. {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)} {سَفِيهُنَا} إبليس أو جاهلنا وعاصينا. {شَطَطاً} جوراً أو كاذباً أصله البعد فعبّر به عن الجور والكذب لعبدهما من العدل والصدق. {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)} {يَعُوذُونَ} كانوا في الجاهلية إذا نزل أحدهم بواد قال أعوذ بكبير هذا الوادي من سفهاء قومه فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم {رَهَقاً} طغياناً أو إثماً «ع» أو خوفاً أو كفراً أو أذى أو غياً أو عظمة أو سفهاً. {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)} {لَمَسْنَا} طلبنا التمست الرزق ولمسته أو قاربناها لأن الملموس مقارب فوجدنا أبوابها أو طرقها {حَرَساً شَدِيداً} الملائكة الغلاظ الشداد {وَشُهُباً} جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحترقة وكان انقضاضها قبل البعث وإنما زيد بالبعث إنذاراً بحال الرسول صلى الله عليه وسلم قاله الأكثر وقال الجاحظ لم يكن الانقضاض إلا بعد المبعث. {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)} {مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} كانوا يسمعون من الملائكة الأخبار فيلقونها إلى الكهنة فلما حرست بالشهب قالوا ذلك، ولم يكن لهم طريق إلى استماع [الوحي] قبل الحراسة ولا بعدها. {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)} {لا نَدْرِى} هل بعث محمد ليؤمنوا به فيرشدوا أم يكفروا به فيعاقبوا وهل حراسة السماء لرشد وثواب أم لشر وعقاب. {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)} {الصَّالِحُونَ} المؤمنون {دُونَ ذَلِكَ} المشركون {طَرَآئِقَ قِدَداً} فرقاً شتى أو أدياناً مختلفة أو أهواء متباينة. {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)} {لَمَّا سَمِعْنَا} القرآن من الرسول صدقنا به وكان مبعوثاً إلى الإنس والجن قال الحسن لم يبعث الله تعالى رسولاً قط من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء لقوله: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ القرى} [يوسف: 109]. {بَخْساً} نقصاً من حسناته ولا زيادة في سيئاته البخس: النقصان والرهق: العدوان وهذا من قول الجن. {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)} {الْقَاسِطُونَ} الخاسرون أو الفاجرون أو الناكثون القاسط: الجائر لعدوله عن الحق والمقسط العادل لعدوله إلى الحق. {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)} {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ} لو أقاموا على طريق الكفر والضلال {لأَسْقَيْنَاهُم} لأغرقناهم كآل فرعون أو كثرنا الماء لإنبات زروعهم وكثرة أموالهم. {لِّنَفْتِنَهُمْ} بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم {هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13]. {وَمَن يُعْرِضْ} عن قبول القرآن يسلطه عذاباً قاله جماعة. أو لو استقاموا على الهدى والطاعة «ع» {لأَسْقَيْنَاهُم} لهديناهم الصراط المستقيم «ع» أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشاً رغداً أو مالاً واسعاً {غَدَقاً} عذباً معيناً «ع» أو كثيراً واسعاً قال عمر رضي الله تعالى عنه: حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة {لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بأخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه: 40] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] ليصرفونك {وَمَن يُعْرِضْ} منهم عن العمل بالقرآن. {عَذَاباً صَعَداً} جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت. مأثور أو مشقة من العذاب «أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبداً». {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)} {الْمَسَاجِدَ} الصلوات أو أعضاء السجود أو بيوت الله «ع» أو كل موضع صلّى فيه الإنسان فهو بسجوده فيه مسجد {فَلا تَدْعُواْ} فلا تعبدوا معه غيره قالت الجن للرسول صلى الله عليه وسلم: ائذن لنا نصلّ معك في مسجدك فنزلت «أو نزلت في اليهود والنصارى أضافوا إلى الله غيره في بيعهم وكنائسهم» أو في قول المشركين في تلبيتهم حول البيت إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك. {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)} {عَبْدُ اللَّهِ} محمد صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة يدعو الله فيها وائتمّ به أصحابه عجبت الجن من ذلك أو قام إليهم داعياً لهم إلى الله {لِبَداً} أعواناً أو جماعات بعضها فوق بعض واللبد لاجتماع الصوف بعضه فوق بعض وهم المسلمون في اجتماعهم على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الجن في استماع قراءته أو الجن والإنس لتعاونهم عليه في الشرك. {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)} {لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} لمن آمن {وَلا أُشْرِكُ بِهِ} لمن كفر [وفيه ثلاثة أوجه] عذاباً ولا نعيماً أو موتاً ولا حياة أو ضلالة ولا هدى. {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)} {لَن يُجِيرَنِى} كان الجن الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم سبعين ألفاً وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر قاله مكحول وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما تقدّم إليهم ازدحموا عليه فقال سيدهم وردان أنا أزجلهم عنك فقال: إني لن يجيرني من الله أحدٌ {مُلْتَحَداً} ملجأ وحرزاً أو ولياً ومولى أو مذهباً ومسلكاً. {إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)} {إِلا بَلاغاً} لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً إلا أن أبلغكم رسالات ربي أو لن يجيرني منهم إن أحدٌ لم أبلغ رسالته. {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)} {الْغَيْبِ} السر «ع» أو ما لم تروه مما غاب عنكم أو القرآن أو القيامة وما يكون فيها. {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)} {مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} جبريل عليه السلام أو نبي فيما يطلعه عليه من غيب أو «نبي فيما أنزله عليه من كتاب» ع «{رَصَداً} يجعل له طريقاً إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده أو ملائكة يحفظون النبي من الجن والشياطين من ورائه وأمامه» ع «وهم أربعة. أو يحفظون الوحي فما كان من ألله تعالى قالوا هو من عند الله وما ألقاه الشيطان قالوا هو من الشيطان أو يحفظون جبريل عليه السلام إذا نزل بالوحي من السماء أن يسمعه مسترقو السمع من الشياطين فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول إلى أمّته. {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)} {لِّيَعْلَمَ} محمد صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام قد بلغ إليه رسالة ربه وما نزل جبريل عليه السلام إلا ومعه ملائكة حفظة أو ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أنّ الرسل قبله قد بلغت الرسالات وحفظت أو ليعلم مكذب الرسل أنّ الرسل قد بلغت أو لعلم الجن أنّ الرسل بلغوا الوحي ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع أو ليعلم الله تعالى أنّ رسله قد بلغوا رسالاته. {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)} {الْمُزَّمِّلُ} المتحمل زمل الشيء حمله ومنه الزاملة أو المتلفف المزمل بالنبوّة أو القرآن أو بثيابه قيل نزلت وهو في قطيفة. {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)} {إِلا قَلِيلاً} من أعداد الليالي فلا تقمها أو إلاّ قليلاً من زمان كل ليلة وكان قيامه فرضاً عليه خاصة أو عليه وعلى أمّته فقاموا حتى ورمت أقدامهم ثم نسخ عنهم بعد سنة بآخر السورة أو بعد ستة عشر شهراً بالصلوات الخمس ولم ينسخ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو نسخ عنه كما نسخ عن أمته بعد سنة أو ستة عشر شهراً أو بعد عشر سنين تمييزاً له بالفضل عليهم. {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)} {قَلِيلاً} الثلث وما دون العشار والسدس والقليل من الشيء دون نصفه. {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)} {وَرَتِّلِ} بينه «ع» أو فسره أو اقرأه على نظمه وتواليه من غير تغيير لفظ ولا تقديم ولا تأخير من ترتل الأسنان إذا استوى نبتها وحسن انتظامها. {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)} {ثَقِيلاً} عليه إذا أوحي إليه فلا يقدر على الحركة أو العمل به ثقيل «ح» أو في الميزان يوم القيامة أو كريم من قولهم فلان ثقيل عليَّ: أي كريم. {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)} {نَاشِئَةَ الَّيْلِ} قيامه بالحبشية أو ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء أو بدو الليل أو ساعاته لأها تنشأ ساعة بعد ساعة أو الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار. {أَشَدُّ وَطْئاً} مواطأة قلبك وسمعك وبصرك أو مواطأة قولك بعملك أو نشاطاً لأنه في زمان راحتك أو أشدّ وأثبت وأحفظ للقراءة {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أبلغ في الخير وأمنع من العدو أو أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم أو أعجل إجابة للدعاء. {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)} {سَبْحاً} فراغاً لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك «ع» أو دعاءاً كثيراً أو عملاً وتقلباً يشغلك عن فراغ ليلك والسبح: الذهاب ومنه السبح في الماء. {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} واقصد بعملك وجه ربك أو ابدأ القراءة بالبسملة {وَتَبَتَلْ} أخلص أو تعبد أو انقطع مريم البتول: لانقطاعها إلى الله تعالى «نهى الرسول صلى الله عليه سلم عن التبتل»: الانقطاع عن الناس والجماعات أو تضرّع إليه تضرعاً. {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)} {رَّبُّ الْمَشْرِقِ} أي رب العالم لأنهم بين المشرق المغرب أو مشرق الشمس ومغربها يريد استواء الليل والنهار أو وجه الليل ووجه النهار أو أول النهار وآخره أضاف نصفه الأول إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب {وَكِيلاً} معيناً أو كفيلا أو حافظاً. {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)} {هَجْراً جَمِيلاً} اصفح وقل سلاماً أو أعرض عن سفههم وأرهم صغر عداوتهم أو هجراً لا جزع فيه. {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)} {وَالْمُكَذِّبِينَ} قيل بنو المغيرة أو اثنا عشر رجلاً من قريش {وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً} إلى السيف. {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)} {أَنكَالاً} أغلالاً أو قيوداً أو أنواع العذاب الشديد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يحب النكل على النكل» فسئل عن ذلك فقال: «الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب» وبه سمي القيد والغل لقوتهما. {وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)} {ذَا غُصَّةٍ} الزقوم أو شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج. {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)} {مَّهِيلاً} رملاً سائلاً «ع» أو الذي نزل تحت القدم فإذا وطئت أسفله انها أعلاه. {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)} {وَبِيلاً} شديداً «ع» أو متتابعاً أو مقبلاً غليظاً ومنه الوابل للمطر العظيم أو مهلكاً. {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)} {شِيباً} جمع أشيب والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه. {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)} {مُنفَطِرٌ بِهِ} ممتلئة به «ع» أو مثقلة أو مخزونة به «ح» أو منشقة من عظمته وشدّته. {كَانَ وَعْدُهُ} بالثواب والعقاب أو بإظهار دينه على الدين كله أو بانفطار السماء وشيب الولدان وكون الجبال كثيباً مهيلاً، {بِهِ} الضمير لليوم يعني أشاب الولدان وجعل السماء منفطرة بما ينزل منها أي يوم القيامة يجعل الولدان شيباً، وانفطارها انفتاحها لنزول هذا القضاء منها. {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)} {لَّن تُحْصُوه} لن تطيقوا قيام الليل أو تقدير نصفه وثلثه وربعه {فَاقْرَءُاْ} فصلوا عبر عن الصلاة بالقراءة {مَا تَيَسَّرَ} من النوافل إذ لا يؤمر في الفرض بما تيسر أو الصلوات الخمس ما تيسر من أفعالها وأركانها على قدر القوّة والضعف والصحة والمرض دون العدد لأنّ الناس انتقلوا من قيام الليل إلى الصلوات الخمس أو بحمل القرآن على حقيقته يُقْراْ به في الصلاة وما تيسر: الفاتحة عند من أوجبها أو قدر آية واحدة من القرآن أو أراد القراءة خارج الصلاة وهي مستحبة أو واجبة ليقف بها على إعجازه ودلائله فإذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه فلا يلزمه حفظه. لأنّ حفظه متسحب فعلى هذا المراد به جميع القرآن لأنّ الله تعالى يسره على العباد أو ثلثه أو مائتا آية منه أو ثلاث آيات كأقصر سورة {يَضْرِبُونَ فِى الأَرْضِ} بالمسافرة، أو بالتقلب للتجارة. {فاقْرَءُاْ مَا تَيَسَّرَ} قيل أعادة لنسخ ما فرضه من قيام الليل وجعل ما تيسر منه تطوعاً ونفلاً فأقيموا الصلوات الخمس {الزَّكَاةَ} الطاعة والإخلاص «ع» أو صدقة الفطر أو زكوات الأموال كلها. {قَرْضاً حَسَناً} النوافل بعد الفروض أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو جميع الطاعات «وسماه قرضاً لأنه أوجب جزاءه على نفسه فصار كالقرض المردود» {تَجِدُوهُ} أي ثوابه {هُوَ خَيْراً} مما أعطيتم أو فعلتم {وَأَعْظَمَ أَجْراً} الجنة {غَفُورٌ} لما كان قبل التوبة {رَّحِيمٌ} لكم بعدها. {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)} {الْمُدَّثِّرُ} بثيابه أو بالنبوّة وأثقالها. {قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} {قُمْ} من نومك {فَأَنذِرْ} قومك العذاب وهي أول سورة نزلت «ع». {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} وعملك فأصلح قال الرسول صلى الله عليه وسلم «يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما» يعني عمله الصالح والطالح أو نفسك طهرها من الخطايا أو مما نسبوه إليك من السحر والشعر والكهانة والجنون أو مما كنت تفكر فيه وتحذره من قول الوليد بن المغيرة أو قلبك طهره من الإثم والمعاصي «ع» أو الغدر........................ *** فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي أو نساءك فطهّر باختيارهم مؤمنات عفيفات أو بالإتيان في القبل والطهر دون الدبر والحيض {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ} [البقرة: 187] أو ثياب اللبس فقصّر وشمّر أو انقها أو طهرها من النجاسة بالماء أو لا تلبسها إلاّ من كسب حلال لتكون مطهرّة من الحرام. {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} {وَالرُّجْزَ} الأوثان والأصنام «ع» أو الشرك أو الذنب أو الإثم أو العذاب أو الظلم. {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)} {وَلا تَمْنُن} لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها «ع» قال الضحاك: حرمه على رسوله صلى الله عليه وسلم وأباحه لأمّته أو لا تمنن بعملك تستكثره على ربك أو لا تمنن بالنبوّة على الناس تأخذ عليها أجراً أو لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه. {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)} {وَلِرَبِّكَ} لأمر ربك أو لوعده أو لوجهه {فَاصْبِرْ} على ما لقيت من الأذى والمكروه أو على محاربة العرب ثم العجم أو على الحق فلا يكن أحدٌ أبرد عندك فيه من أحد أو على عطيتك لله أو على الوعظ لوجه الله أو على انتظار ثواب عملك من الله تعالى أو على ما أُمِرت به من أداء الرسالة وتعليم الدين. {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)} {النَّاقُورِ} الصور «ع» النفخة الأولى أو الثانية أو القلب يجيب إذا دعي للحساب حكاه ابن كامل. {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)} {وَحِيداً} منفرداً بخلقه أو وحيداً في بطن أمه لا مال له ولا ولد أعلمه بذلك قدر نعمه عليه بالمال والولد أو ليدلّه على أنّه يبعث وحيداً كما خلق وحيداً نزلت في الوليد بن المغيرة. {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)} {مَّمْدُوداً} ألف دينار «ع» أو أربعة آلاف دينار أو ستّة ألاف دينار أو مائة ألف دينار أو أرض يقال لها الميثاق أو غلة شهر بشهر أو الذي لا ينقطع شتاء ولا صيفاً أو الأنعام التي يمتد سيرها من أقطار الأرض للرعي والسفر. {وَبَنِينَ شُهُودًا (13)} {وَبَنِينَ} عشرة أو أثنا عشر أو ثلاثة عشر رجالاً قال الضحاك: ولد له سبعة بمكة وخمسة بالطائف {شُهُوداً} حضور معه لا يغيبون عنه أو يذكرون معه إذا ذكر «ع» أو كلهم ربّ بيت. {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)} {وَمَهَّدتُّ لَهُ} من المال والولد أو الرئاسة في قومه. {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)} {أَنْ أَزِيدَ} من المال والولد أو أدخله الجنة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلم يزل يرى النقص في ماله وولده. {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16)} {لأَيَاتِنَا} القرآن أو الحق أو محمد صلى الله عليه وسلم. {عَنِيداً} معانداً أو مباعداً أو جاحداً أو معرضاً. {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)} {صَعُوداً} مشقة من العذاب أو عذاب لا راحة فيه «ح» أو صخرة في النار ملساء كلف صعودها فإذا صعدها زلق منها أو جبل في جهنم من نار كلف صعوده فإذا وضع يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت مأثور. {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)} {إِنَّهُ فَكَّرَ} قال لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى وما أشك أنه سحر ففكر في القرآن وقدر في قوله إنه سحر وليس بشعر. {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)} {فَقُتِلَ} ثم قتل فعوقب ثم عوقب فتكرر عليه العذاب مرة بعد أخرى أو لعن ثم لعن {كَيْفَ قَدَّرَ} إنه ليس بشعر ولا كهانة وإنه سحر. {ثُمَّ نَظَرَ (21)} {ثُمَّ نَظَرَ} في القرآن أو إلى بني هاشم لما قال إنه ساحر ليعلم ما عندهم. {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)} {ثُمَّ عَبَسَ} قبض ما بين عينيه {وَبَسَرَ} كلح وجهه أو تغير قيل ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة وظهور البسور فيه قيل المحاورة. {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)} {إِنْ هَذَآ} القرآن {إِلا سِحْرٌ} يأثره محمد عن غيره. {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)} {قَوْلُ الْبَشَرِ} وليس من قول الله تعالى نسبوه إلى أبي اليسر عبدٍ لبني الحضرمي كان يجالس الرسول صلى الله عليه وسلم فنسبوه إلى أنه تعلّم ذلك منه. {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)} {سَقَرَ} اسم لجهنم من سقرته الشمس إذا آلمت دماغه لشدّة إيلامها. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)} {لا تُبْقِى} من فيها حيّاْ ولا تذره ميتاً أو لا تبقي أحداً منهم أن تتناوله ولا تذره من العذاب. {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)} {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} مغيرة للألوان تلفح وجوههم لفحة تدعها أشدّ سواداً من الليل أو تحرق البشر حتى تُلَوِّح العظم أو تلوِّح بشرة أجسادهم على النار أو معطشة للبشر واللَّوْح شدّة العطش قال: سقتني على لوح من الماء شربة *** سقاها به الله الرهام الغواديا {لِّلْبَشَرِ} الإنس عند الأكثر أو جمع بشرة وهي الجلدة الظاهرة. {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)} {تِسْعَةَ عَشَرَ} خزنة جهنم من الزبانية وكذلك عددهم في التوراة والإنجيل ولما نزلت قال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحداً منهم وأنتم أكثر منهم وقال أبو الأشد بن الجمحي لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة وبمنكبي الأيسر التسعة ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئاً فنزلت. {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)} {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّارِ} ولما وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «كأن أعينهم البرق وكأنّ أفواههم الصياصي يجرون شعورهم لأحدهم مثل قوّة الثقلين يسوق أحدهم الأمّة على رقبته [جبل] فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم» {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم أو عدد الخزنة لموافقة ذلك لما في التوراة والإنجيل {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ} بذلك إيماناً {وَمَا هِىَ} وما نار جهنم إلاّ ذكر، أو ما نار الدنيا إلاّ تذكرة لنار الآخرة أو ما هذه السورة إلاّ تذكرة للناس. {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)} {دَبَر} ولى «ع» أو أقبل عن إدبار النهار دبر وأدبر واحد أو دبر إذا خلفته خلفك وأدبر إذا ولّى أمامك أو دبر جاء بعد غيره على دبره وأدبره ولّى مدبراً. {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)} {أَسْفَرَ} أضاء. {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)} {إِنَّهَا} إن سقر لإحدى الكبر أو قيام الساعة أو هذه الآية و{الْكُبَرِ} العظائم من العقوبات والشدائد. {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)} {نَذِيراً} يعني النار أو محمد صلى الله عليه وسلم حين قال {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر: 2]. {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)} {يَتَقَدَّمَ} في الطاعة أو {يَتَأَخَّرَ} في المعصية أو يتقدّم في الخير أو يتأخر في الشر أو يتقدّم إلى النار أو يتأخر عن الجنة تهديد ووعيد. {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)} {كُلُّ نَفْسٍ} بالغة محتبسة بعملها {إِلآ أَصْحَابَ الْيَمِينِ} أطفال المسلمين أو كل نفسٍ من أهل النار مرتهنة في النار إلاّ المسلمين أو كل نفسٍ محاسبة بعملها إلا أهل الجنة فلا يحاسبون. {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)} {نَخُوضُ} نكذب أو كلما غوى غاوٍ غوينا معه أو قولهم محمد ساحر محمد شاعر محمد كاهن. {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)} {الدِّينِ} الجزاء. {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)} {الْيَقِينُ} الموت. {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)} {التَّذْكِرَةِ} القرآن. {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)} {مستنفَرة} مذعورة وبكسر الفاء هاربة. {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)} {قَسْوَرَةٍ} الرماة «ع» أو القناص أو الأسد بلسان الحبشة «ع» أو عصب من الرجال وجماعة «ع» أو أصوات الناس «ع» أو النبل. {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)} {صُحُفاً} أن يؤتى كتاباً من الله تعالى أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم أو براءة من النار أنه لا يعذب بها أو كتاباً من الله بما أحلّ وحرّم أو قال كفار قريش كان الرجل [من بني إسرائيل] إذا أذنب وجده [مكتوباً] في رقعة فما لنا لا نرى ذلك فنزلت. {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)} {أَهْلُ} أن تُتقى محارمه وأن يغفر الذنوب أو يُتقى أن يجعل معه إلهاً آخر وأهل أن يغفر لمن اتقاه مأثور أو يتقى عذابه وأن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته. {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)} {لآ} إذا بدىء بها في أول الكلام فهي صلة تقديره أقسم «ع» أو تأكيد للكلام كقولك لا والله أو رَدٌّ لما مضى من إنكارهم البعث ثم ابتدأ بأقسم و{لآ أُقْسِمُ} أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس «ع» أو أقسم بهما جميعا {اللَّوَّامَةِ} مدح عند من رآها قسماً وهي النادمة اللائمة على ما فات لِمَ فعلت الشرّ وهلاَّ استكثرت من الخير أو تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها أو ذات اللوم أو اللوم صفة ذم عند من رآها غير مقسم بها وهي المذمومة «ع» أو الملومة على سوء صنعها أو التي لا تصبر على محن الدنيا وشدائدها فهي كثيرة اللوم فيها فعلى هذه الأوجه الثلاثة تكون اللوامة يعني الملومة. {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)} {بَلَى} نجمعها تمام للأول أو استئناف بعد تمام الأول بالتعجب {نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ} نعيد مفاصله بالبعث أو نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير فلا يأكل إلا بفمه ولا يعمل شيئاً بيده «ع». {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)} {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} يقدم الذنب ويؤخر التوبة أو يمضي أمامه قدماً لا ينزع عن فجور «ح» أو يرتكب الآثام في طلب الدنيا ولا يذكر الموت أو يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار أو يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا. {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)} {بَرِقَ} خفت أو انكسر عند الموت أو شخص لما عاين ملك الموت فزعاً وبالكسر شق بصره أو غشى عينه البرق يوم القيامة. {وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)} {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} ذهب نوره فكأنه دخل في خسف من الأرض. {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)} {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} جمعا في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين أو في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها «أو في تكويرهما يوم القيامة» أو البحر فصارا نار الله الكبرى. {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)} {الْمَفَرُّ} المهرب. {كَلَّا لَا وَزَرَ (11)} {لا وَزَرَ} لا ملجأ أو منجى أو حرز أو محيص. {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)} {الْمُسْتَقَرُّ} المنتهى أو استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)} {بِمَا قَدَّمَ} قبل موته من خير أو شر وبما سنّ فعُمل به بعد موته من خير أو شرّ «ع» أو بما قدّم من معصية وما أخر من طاعة أو بأول عمله وآخره أو بما قدّم من الشر وأخّر من الخير أو ما قدّم من فرض وأخّر من فرض. {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)} {بَصِيرَةٌ} هاء المبالغة شاهد على نفسه بما تقوم الحجة به عليه {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14] أو جوارحه تشهد عليه بعمله {وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ} [يس: 65] أو بصير بعيوب الناس غافل عن عيوب نفسه. {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)} {مَعَاذِيرَهُ} لو اعتذر يومئذٍ لهم يقبل منه أو لو تجرد من ثيابه «ع» أو لو أظهر حجته أو لو أرخى ستوره والستر: معذار بلغة اليمن. {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} {لا تُحَرِّكْ} كان إذا نزل عليه القرآن حرّك به لسانه يستذكره فيناله من ذلك شدّة فنهي عن ذلك «ع» أو كان يعجل بذكره حُبّاً له لحلاوته عنده فنهي عن ذلك حتى يجتمع لأنّ بعضه مرتبط ببعض. {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)} {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} في قلبك لتقرأه بلسانك أو حفظه وتأليفه أو نجمعه لك حتى نثبته في قلبك. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18)} {قَرَأْنَاهُ} بيناه فاعمل بما فيه أو أنزلناه فاستمع قرآنه «ع» أو إذا تلي عليك فاتبع شرائعه وأحكامه. {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} {بَيَانَهُ} بيان أحكامه وحلاله وحرامه أو بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل عليه السلام حتى تقرأه كما أقرأك أو علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد. {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)} {الْعَاجِلَةَ} ثواب الدنيا أو العمل لها. {وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21)} {وَتَذَرُونَ} ثواب الآخرة أو العمل لها. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)} {نَّاضِرَةٌ} حسنة أو مستبشرة أو ناعمة أو مسرورة. {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} {إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} تنظر إليه في القيامة أو إلى ثوابه قال ابن عمر ومجاهد أو تنظر أمر ربها. {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)} {بَاسِرَةٌ} كالحة أو متغيرة. {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} {فَاقِرَةٌ} داهية أو شر أو هلاك أو دخول النار. {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)} {بَلَغَتِ} الروح {التَّرَاقِىَ} وهي أعلى الصدر جمع ترقوة. {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)} {رَاقٍ} يرقيه بالرُّقى وأسماء الله تعالى الحسنى أو من طبيب شاف أو يقول من يرقى بروحه أَمَلائكة الرحمة أم ملائكة العذاب «ع». {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)} {وَظَنَّ} تيقن أنه مفارق للدنيا «ع». {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)} {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} اتصل الآخرة بالدنيا «ع» أو الشدّة بالشدّة والبلاء بالبلاء شدّة كرب الموت بشدّة هول المطلع أو التفت ساقه عند الموت أو التفاف الساق بالساق عند المساق قال الحسن رضي الله تعالى عنه «ماتت رِجْلاه فلم يحملاه وقد كان عليهما جوالاً، أو اجتمع عليه أمران شديدان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه». {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)} {الْمَسَاقُ} المنطلق أو المستقر.
|